The Swiss voice in the world since 1935

من الفكرة إلى الاقتراع: كيف يضع الشعب السويسري قوانينه؟

ترغب الكثير من الشعوب في رؤية بلدانها تنظم اقتراعات شعبية مثل تلك الموجودة في سويسرا. ولكن، ما هي أدوات الديمقراطية المباشرة المتمثلة في المبادرة الشعبية والاستفتاء الشعبي في الواقع، وكيف تطور النظام الحالي؟    

لا يعرف أي بلد آخر هذا الكم الكبير من الاقتراعات الشعبية المعروف في سويسرا. فقد أُجريت أول اقتراعات شعبية قبل ما يربو على 100 عام، وما تزال الدعوة إلى مواعيد الاقتراع توجه إلى المواطنين والمواطنات فيها، لاتخاذ قرار بشأن بعض الموضوعات على مستوى المحليات، أو الكانتونات، أو على المستوى الوطني بِرُمَّته، في مواعيد تصويت محددة.  

ويجمع النظام السياسي في سويسرا بين نظام الديمقراطية التمثيلية، وآليات الديمقراطية المباشرة. ويذكر التاريخ اقتراعات شعبية، أدت إلى تغيير هذا النظام نفسه: ففي عام 1891، أيدت أغلبية الأصوات اعتماد آلية المبادرة الشعبية. 

المزيد
بطاقة بريدية تروج لنظام التمثيل النسبي

المزيد

الحرب والإضراب يُمَهِدان الطريق لنظام التمثيل النسبي في سويسرا

تم نشر هذا المحتوى على في عام 1918، وفي وقت اتَّسَم بِدَرجة عالية من انعدام الاستقرار السياسي، اتخذ الشعب السويسري قراراً تاريخياً بالتحول إلى نظام التمثيل النسبي على المستوى الوطني.

طالع المزيدالحرب والإضراب يُمَهِدان الطريق لنظام التمثيل النسبي في سويسرا

أما في عام 1918، فقد نجحت مبادرة شعبية أخرى في تغيير نظام الانتخاب في سويسرا. ومنذ ذلك الحين، يسري حق التمثيل النسبي في أغلب الكانتونات. ويعني هذا، أنه إذا نجح أي حزب في حصد 30% من الأصوات في كانتون لديه عشر مقاعد في مجلس النواب (الغرفة السفلى بالبرلمان الفدرالي)، فيصبح لهذا الحزب حينها الحق في شغل ثلاثة مقاعد من العشرة. 

كما يذكر تاريخ آليات الديمقراطية المباشرة في سويسرا كذلك، تصويت أغلبية من الرجال في عام 1959 ضد إقرار حق النساء في التصويت. 

فقد اكتسبت المرأة السويسرية حق الاقتراع والانتخاب على مستوى سويسرا بأسرها، اعتبارًا من عام 1971. لكن لتطبيق هذا الحق، اضطر آخر كانتون سويسري إلى تنفيذ ذلك تحت طائلة قرار من المحكمة الفدرالية عام 1991. 

ما هي آليات الديمقراطية المباشرة في سويسرا؟ 

وتوجد في سويسرا أنواع شتى من الاقتراعات الشعبية. ولعل أهمها المبادرة الشعبية. إذ يمكن للمواطنين والمواطنات المستفيدين من هذه الآلية والمستفيدات تقديم اقتراح بتنظيم اقتراع لتعديل الدستور السويسري. ولكي يُجرى الاقتراع، يجب جمع ما لا يقل عن مئة ألف توقيع للفئة التي يحق لها المشاركة في التصويت والتحقق من سلامتها، خلال 18 شهرًا. 

لكن لم تستطع أغلب المبادرات الشعبية التي أجريت على مر تاريخ سويسرا، إقناع أغلبية الشعب والكانتونات. 

محتويات خارجية

لكن لا يعني هذا أن هذه المبادرات الشعبية لم تكن مؤثرة، ذلك لأن هذه الآلية تعد أيضًا مهمة لوضع مطلب ما على الأجندة السياسية. وقد ترد الحكومة والبرلمان على المبادرات، بـمسودة مضادة (مقترح مضاد)

كما يعد الاستفتاء الإجباري آلية أخرى من آليات الديمقراطية المباشرة. فإذا أرادت الحكومة والبرلمان السويسريان تعديل الدستور، أو الانضمام إلى منظمة دولية، مثل الاتحاد الأوروبي (EU) أو حلف شمال الأطلسي (NATO)، فيتوجب حينها إجراء اقتراع بهذا الشأن في استفتاء إجباري. 

المزيد
شابات مشاركات في مظاهرة

المزيد

حينما سحبت سويسرا البساط من تحت أرجل جيشها

تم نشر هذا المحتوى على قبل ثلاثين عاماً، وتحديداً بعد انقضاء ثلاثة أسابيع على سقوط جدار برلين، استُفتِيَ الناخبون السويسريون حول إلغاء الجيش. وخلف هذه المبادرة الشعبية كانت تقف جماعة “سويسرا بدون جيش”، والتي تأسست عام 1982. ومما أثار دهشة الجميع كان ما حدث يوم السادس والعشرين من نوفمبر عام 1989 من موافقة 35،6 في المائة من الناخبين أي أكثر…

طالع المزيدحينما سحبت سويسرا البساط من تحت أرجل جيشها

وهو على خلاف الاستفتاء الاختياري، الذي يعتبر اقتراعًا شعبيًا، تطالب فيه مجموعة من المواطنين والمواطنات بتعديل قانون سارٍ. فإذا ما أصدرت الحكومة والبرلمان قانونًا، فهنا يحق للمواطنين والمواطنات معارضته عن طريق استفتاء. وإذا ما جمعوا 50،000 توقيعٍ صحيحٍ خلال 100 يوم، يُجرى الاقتراع الشعبي. 

غالبا ما يصوت الشعب وفق توصيات الحكومة 

وعلى مر تاريخ سويسرا، عبَّرت نتائج الاقتراعات في كثير من الأحيان عن توافق رأيّ الأغلبية مع إرادة الحكومة والبرلمان، بما في ذلك خلال الاستفتاءات. وكان الاستفتاء الاختياري، في أغلب الأحيان، هو آلية الديمقراطية المباشرة التي يوظفها الناخبون والناخبات في الإطاحة بقرارات الحكومة والبرلمان.   

محتويات خارجية

ما هي “المقترحات المضادة” للمبادرات الشعبية؟ 

قبل طرح أية مبادرة شعبية للاقتراع، يدرس البرلمان السويسري مضمونها. فيناقش البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب (الغرفة السفلى) ومجلس الشيوخ (الغرفة العليا)، المقترح. ومن ثمَّ يقرر قَبُول المبادرة، أو رفضها، أو إصدار مسودة مضادة (اقتراح مضاد). 

وتعرف سويسرا نوعين من المقترحات المضادة. فمن خلال طرح مسودة مضادة مباشرة، يقدم البرلمان خيارًا إضافيًا للاقتراع بشأن المبادرة الشعبية. 

محتويات خارجية

إذ يمكن للمواطنين والمواطنات خلال الاقتراع الاختيار ما بين قَبُول المسودة المضادة، أو قَبُول المبادرة الشعبية، أو رفض الاثنين. 

أما المُسَوَّدَة المضادة غير المباشرة، فهي اقتراح قانون، يصدره البرلمان. فإذا اقتنعت لجنة المواطنين والمواطنات التي تقف خلف المبادرة الشعبية، بالمقترح البرلماني، بادرت إلى سحب مقترحها. وإلاَّ يُجرى الاقتراع على أية حال. وإذا ما جاءت نتيجته برفض الأغلبية للمبادرة الشعبية، تُعتمد حينها المُسَوَّدَة المضادة.  

الكانتونات

ولكي تحظى المبادرات الشعبية والاستفتاءات الإجبارية، بالقبول عليها الفوز بأغلبية أصوات الناخبين والناخبات، وتأييد أغلبية الكانتونات. وتمنح الأغلبية الكانتونية للكانتونات الصغيرة ذات العدد القليل من السكان وزنًا أكبر. 

لكن قلما يحدث أن تحصل مبادرة شعبية على أغلبية الأصوات، حين تُخفق في تحقيق أغلبية الكانتونات. وقد كانت “مبادرة مسؤولية الشركات الكبرى” عام 2020، آخر مبادرة فشلت بسبب عدم حصولها على تأييد أغلبيّة الكانتونات. وقد حدث هذا الوضع قبل ذلك أول مرة في عام 1955.  

وغالبًا ما كانت أغلبية الكانتونات حاسمة في الاستفتاءات؛ فعلى سبيل المثال، فشل استفتاء إلزامي كان من شأنه توحيد سياسة الأسرة في جميع أنحاء سويسرا في عام 2013، ورغم حصوله على أكثر من 54،3% من أصوات الناخبين، لم يقنع أغلبية الكانتونات.  

ومن ناحية أخرى، أُدخلت إجازة الأمومة في عام 2004، مع أنّ غالبية الكانتونات كانت ضدها. وكان التصويت استفتاءً اختياريًا على تعديل القانون، ولهذا السبب لم يكن الحصول على أغلبية الكانتونات مطلوبًا.  

تغير استخدام حقوق الديمقراطية المباشرة 

في العقود الأولى لنشأة الدولة الفدرالية السويسرية عام 1848، مَثَّل الاستفتاء الإجباري، آلية الديمقراطية المباشرة الوحيدة، التي كَثُر استخدامها. فلطالما استخدمها الناخبون (من الرجال)، كوسيلة للتعبير عن سخطهم. لذلك كانت نتيجة أكثر الاقتراعات آنذاك، بالرفض. 

المزيد

وقد تغير هذا الأمر تدريجيًا، بعد إدراج الاستفتاء الاختياري عام 1874. فقد أدى الاستفتاء الاختياري إلى بذل الحكومة والبرلمان جهودًا بُغية التوصل إلى حلولٍ وسطى، ذلك لأن مصلحة الأغلبية السياسية المنتخبة تقتضي الحيلولة دون لجوء غير الراضين إلى آلية الاستفتاء.

ووفقًا لـ المعجم التاريخي لسويسرارابط خارجي، فقد تراوحت الاستفتاءات الاختيارية المطروحة ابتداءً من القرن العشرين، حول نسبة “6%” من مسودات القوانين. 

أما آلية المبادرة الشعبية الحالية، فقد أُدرجت بدورها عام 1891.  

وقد تزايد استخدامها تدريجيًا، فقد طرحت 25 مبادرة شعبية فقط بين عامي 1891 و1930. ولكن تجاوز هذا العدد الأربعين مبادرة منذ سبعينات القرن الماضي.  

كما شهدت الحِقْبَة الفاصلة بين 1891 و2024، قَبُول 26 مبادرة شعبية فقط. وقد أجريت 14 من هذه الاقتراعات الناجحة، في القرن الواحد والعشرين. 

المزيد

تحرير: مارك ليفينغستون

ترجمة: هالة فرّاج

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على [email protected].

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية
OSZAR »